فرصة نادرة منحها الفنان السوري/الجزائري طارق العربي طرقان لجمهور قرطاج ـ باختلاف أعمارهم ـ لاستعادة طفولتهم وذكرياتهم البعيدة… فهذا الفنان الذي أحيى سهرة الأربعاء 14 أوت 2019 بمهرجان قرطاج الدولي في إطار دورته الخامسة والخمسين هو رائد شارات الكرتون في العالم العربي والجمهور الكبير الذي تابع عرضه جاء مدفوعا بالحنين إلى زمن ترك فيه صديقا على مقاعد المدرسة وكرة في ساحة الحي وسيارة صغيرة ضاعت إحدى عجلاتها في أحد رفوف الذاكرة وبطلا خارقا عاش في مخيلته البريئة لسنوات… طرقان وأبناؤه ديمة وتالة ومحمد وأركسترا من خمس وثلاثين عازفا شكلوا حالة من السعادة والانتشاء على مدارج المسرح الروماني وكراسيه الأمامية، حالة لا تتكرر كثيرا حيث تعودنا أن تكون درجات الرضا والتقبل متفاوتة لدى متابعي العروض، لكن أن يقف الجمهور كله ويضيئ هواتفه في نفس اللحظة ويدق بأقدامه بفعل الحماس الذي تبعثه شارة مسلسل كرتوني للأطفال لا تتجاوز مدتها سبعين ثانية ويرددها مع طرقان وأبناؤه ـ وأحيانا قبلهم ـ هي فعلا حالة يعجز أمامها التعبير… جيل الثمانينات والتسعينات وجيل قبلهما تابع مسلسلات الكرتون مع أبنائه وحفظها « سيمبا » و »سلاحف النينجا » و »بابار » و »ماوكلي » و »المحقق كونان » و »هزيم الرعد » و »السباق الكبير » و »دروب ريمي » و »أرغاي الفارس النبيل » و »فلة » و »كابتن ماجد » و »باتمان »… وعشرات الأغاني أسس بها طرقان مدرسة موسيقية جديدة في مجال أغنية الطفل كتابة ولحنا وغناء، معتمدا على إعلاء مستوى الكلمة واللحن لرفع القيمة التحسيسية للمعاني النبيلة المضمّنة بالنص: الصداقة، المحبة، التعاون، المشاركة، الوحدة… وغيرها من القيم التي تدور في فلكها مسلسلات الكرتون على غرار: » فلتحذر أن تُغدر/ استخدم عقلك… وحدك عود غضّ وطري/ والجمع عصا لا تُكسر »… تأتي في قوالب لحنية يطغى عليها طابع الحماس وروح التفاؤل، نوتة تبدو في الظاهر سهلة وبسيطة لكنها متنوعة ومعقدة جدا تأتي في طابع السلّم الصغير الذي يعطي للحن عمقا وثراء كبيرين وينمّي الحس الأدبي لدى الأطفال وتدخل إلى قلوبهم سعادة لا توصف…
عندما تتابع ما حدث على مدارج قرطاج مساء الأربعاء 14 أوت تكتشف أن الكبار لم يتركوا « سيمبا » و »ماوكلي » و »المحقق كونان » و »باتمان » وغيرهم من الأبطال الخارقين على عتبات طفولتهم البعيدة، مازالت تلك الحكايات تسكن دواخلهم وتسعدهم كسعادتهم بقطعة حلوى بعد درس طويل ومتعب… طارق العربي طرقان وأبناؤه أصوات رنّت في مسامع الجمهور بإيقاع الحنين ودفء الذكريات، كانت العيون معلّقة على الشاشة الكبيرة خلف الركح وبمجرّد التقاط عنوان المسلسل الكرتوني تسري موجة انتشاء في الصفوف ويشرعون في الغناء قبل نجوم العرض.
طرقان الذي وهب حياته وفنّه لإسعاد الأطفال على امتداد عقود واستدرج أبناءه الثلاثة لعالمه وقبلوا أن يكونوا خارج دوائر الضوء لزمن طويل أهداهم مهرجان قرطاج مساء الأربعاء 14 أوت 2019 لقاء حميميّا بالجمهور يؤكّد بما لا يدع مجالا للشك قيمة هذا الشكل الفني المتفرّد التي يصنعونه بحب وتفان كبيرين، كيف لا وقد حملوا هذا الجمهور من الشباب والكهول على متن مركبة فضائية سافرت بهم إلى زمن مضى في رحلة بطعم الحلوى.