أمام جمهور نوعي اتجهت ذائقته الفنية نحو البلوز والجاز والهيب هوب غنّى الفنان الإنجليزي روري تشارلز غراهام الملقب براغن بون مان مساء الثلاثاء 8 أوت على مسرح قرطاج الأثري في أول مصافحة له مع الجمهور التونسي وأوّل حفل فني يقيمه في القارة الافريقية، ولعلّ هذا المعطى هو الذي جعل الفنان منبهرا بالحضور اللافت الذي استقبله بحماس كبير وهتاف أكبر… أسرج الفنان ركب النغم القوي العميق والكلمة الهادفة واستعدّ بكلّ طاقته الفنية ليأخذ الجمهور التونسي في رحلة موسيقية مغايرة لما سبق وقٌدّم على هذا الركح منذ انطلاق الدورة السابعة والخمسين.
مصحوبا بثلاث مغنيات وفرقة موسيقية من ستة عناصر توزّعوا على الباتري والكلافيي والغيتار إلكتريك والغيتار باص استهل الفنان راغن بون بمان العرض بأغنية wolves التي كان الجمهور في تمام استعداده لاستقبالها بحماس كبير متفاعلا مع كلماتها العميقة الحاملة للكثير من المعاني خاصة وقد كانت متماشية مع مساحة الصوت الواسعة لهذا الفنان الذي صنفه العارفون بعلم الموسيقى أنه « صوت الباريتون » وهو نوع من الغناء الرجالي يحتل مساحة في المجال الصوتي بين الباص والتينور، ويعتبر من أهم طبقات الغناء الأوبرالي.
وتواصل العرض بأداء راغن بون مجموعة من أغانيه من بينها skin Alone و Grace التي أضيئت لها هواتف الحاضرين لتتشكّل لوحة جميلة أشبه بسماء مرصّعة بالنجوم أبهرت الفنان وفاجأته.
راوح الفنان في أغانيه بين الحزينة والسعيدة والمؤثرة على غرار Changing of The Guard الصادرة سنة 2021 والتي كتبها لابنه واصفا من خلالها تجربة الأبوة وخصوصية علاقته بابنه.
أدى روري أغاني من ألبومه Life by misadventure الصادر سنة 2021 ولاقى رواجا هامّا في المملكة المتحدة لما تحمله من رسائل إنسانية تدعو للحب وقبول الآخر وتجاوز الصعاب والفشل بالأمل والطموح، كما أدى الفنان ـ منبهرا بالأجواء الاحتفالية التي صنعها الحضور ـ مجموعة من أغاني ألبومه الذي سيصدره في السنة القادمة هدية حصرية خصّ بها جمهور مهرجان قرطاج الذي استحقها عن جدارة.
لم يستطع راغن بون مان مغادرة الركح قبل أن يؤدي أغنيته الشهيرة Human التي تحتل مكانة خاصة في قلوب الحاضرين والتي ردّدها معه عن ظهر قلب، وهي أغنية صنعت شهرة هذا الفنان في بداية مشواره سنة 2017 ولاقت رواجا واسعا في مختلف أنحاء العالم وحطمت كل الأرقام على منصات الموسيقى لما تحمله من كلماتها من مضامين صادقة وقيم نبيلة تعبر عن الإنسانية وقبول الآخر علاوة على توزيعها الموسيقي الفريد الذي يلامس الأحاسيس برقة ورهافة.
« جمهور تجاوز كل توقعاته » هكذا عبّر راغن بون مان عن إعجابه بجمهور قرطاج وخاطبه بأجمل الكلمات بين الأغنية والأخرى حتى أنه رقص مستمتعا بتفاعله وانسجامه مع أغانيه وموسيقاه.
« الباريتون » التي تعني في لغة الإغريق العميق وهو عميق صوتا ولحنا وكيفيّة أداء لفنان أغرم بالبلوز والريغي منذ نعومة أظافره وتربى في عائلة فنية، والده عازف غيتار وأمه مغنية، في الخامسة عشر بدأ الغناء وجرّب أنماطا فنية كثيرة وغنّى في الساحات قبل أن يختار طريقه مع البلوز والجاز ويحصد عديد الجوائز كصاحب أفضل أغنية منفردة سنة 2018 وجائزة المملكة الذهبية سنة 2021 كما كان ألبومه « الحياة بعيدا عن الفشل » الأسرع مبيعا وانتشارا…
قبل حفله مساء الثلاثاء 8 أوت على المسرح الروماني عبّر راغن بون مان عن خوفه وتوتره لمواجهة جمهور لم يسبق له معرفته، لكن جمهور تونس المعروف برفعة ذوقه وسعة اطلاعه على المشهد الثقافي والفني العالمي سرعان ما بدّد ذلك الخوف وكسر حاجز التوتر ليجعل الفنان الضيف يغني كما لم يغنّ أبدا في سهرة ستكتب في تاريخ المهرجان بماء الذهب وتبقى عالقة في ذاكرة روري أو راغن بون مان كما لقّب نفسه، وربما نقش 8 أوت 2023 وشما بجسده إلى جانب كل تلك الأوشام التي قال أنها تؤرخ لحكايات وأحداث هامّة ومؤثرة في حياته.