قد يصعب العثور على الكلمات المناسبة للحديث عن المغنية الاسبانية « كونشتا بويكا » ذات الأصول الافريقية وتحديدا غينيا الاستوائية، ولذلك فإن الحل الأنسب لاكتشافها عن كثب هو سماع صوتها المدوّي بأنماط موسيقية متنوعة على غرار الفلامنقو والجاز والسول والرومبا، منشدة السلام للعالم وللحرية والعدالة الإنسانية الكونية.
ولم يفوّت جمهور مهرجان قرطاج الدولي في دورته 57 فرصة اللقاء لمصافحة « بويكا » الملقبة أيضا بصوت الحرية، فحضر بأعداد محترمة واستمتع بالعرض ورقص على إيقاعات الجاز والفلامنقو والرومبا.
وأطلّت « بويكا » على ركح المسرح الروماني بقرطاج، الليلة الماضية (21 جويلية)، مرفقة بمجموعة موسيقية متألفة من أربعة عازفين على آلات الغيتار والباص والإيقاع والترومبات، فشكلت الإيقاعات الصادرة عن هذه الآلات تزاوجا بارعا بين موسيقات الفلامنقو والسول والجاز والرومبا. وامتزجت هذه الأنماط الموسيقية المتنوعة بصوتها المدوّي الذي ينضح بالحياة والحب رغم الألم والمعاناة، فهي تنحدر من عائلة فرّت من ديكتاتورية الحكم في موطنها الأصل غينيا الاستوائية ثم نشأت في أحياء فقيرة في اسبانيا حيث اختلطت بالفئات الفقيرة من الغجر ومدمني المخدرات وكذلك الفنانين والشعراء، وهذا ما جعلها تؤدي أغانيها بأحاسيس صادقة تختلج نفوس كل من يستمع إليها.
وغنّت « بويكا » ما يناهز 15 أغنية من أشهر موسيقاها أمام جمهورها، فأدت « لا فالسا مونيدا » و »نو هابرا نادين أن الموندو » و »لاس سيمبلاس كوساس » و »منيا لولا » وغيرها من الأغاني التي لاقت صدى واسعا لدى عشاقها من جميع أنحاء العالم.
وتترجم الأغاني استماتة « بويكا » في الدفاع عن الموروث الثقافي الإفريقي الذي شكله هذا الفسيفساء من الإيقاع المحرك للحياة والداعي إلى نشر قيم التسامح والقبول بالآخر. كما رسمت بذلك نسيجا احتفاليا إفريقيا بريشة غربية، وفتحت باب الحوار لتتلاقح مع الثقافات الأخرى.
كما تعكس أغانيها دعوة للاحتفال بقيم الحياة وأسمى معاني الحب لتحقيق العدالة وتوحيد الشعوب ورفض أشكال الحروب التي تهدد السلم في العالم.
واختتمت « بويكا » سهرتها بمقطع موسيقي احتفالي رقص على إيقاعاته الجمهور وغادرت على إثره هذه المغنية الركح بعد حفل حماسي لن يُمحى من ذاكرة الحاضرين.