في سهرة مشتركة عنوانها الانتصار للقضايا الإنسانية الكونية المشتركة، التقى الفنانان الشقيقان نسرين ووائل جابر والفنانة الجزائرية الملتزمة سعاد ماسي على ركح المسرح الروماني بقرطاج لتأثيث سهرة البارحة 6 أوت 2023 ضمن الدورة 57 لمهرجان قرطاج الدولي، بحضور أعداد جماهيرية محترمة من ضمنها عدد كبير من الأشقاء الجزائريين المقيمين بتونس.
وأمّن الشقيقان جابر الجزء الأول من السهرة بعرض حمل عنوان « أورورا » وهو ثمرة عمل لعدة سنوات من البحث والاكتشاف والتجريب في المجال الموسيقي وكتابة الأغاني. ويتمثل في إعادة توزيع الأغاني التراثية وكذلك تقديم أغاني باللهجة التونسية نابعة أساسا من الواقع الحالي وتعكس العالم الذي يعيشه معظم الشباب في علاقة بالمجتمع. ويعتبر هذا المشروع الموسيقي خليطا عجيبا بين الموسيقى التونسية.
و »أورورا » عنوان هذا العرض يعني في الميثولوجيا الإغريقية « الشفق القطبي » بحيث تتجسد أسطورة الإلهة الرومانية « أورورا » في صورة حسناء تجول عالم الأرض عند كل فجر، محلّقة في السماء من الغرب إلى الشرق، لتحمل أول شعاع ضوئي قادم من الشمس تعلن به قدومها. أما على ركح المسرح الروماني بقرطاج، فقد أعلنت نسرين جابر قدومها من خلال اعتلائها هذا الركح العريق للمرة الأولى في مسيرتها الفنية، مسلّحة بموسيقاها الملتزمة وقوّة صوتها وأحاسيسها المرهفة للدّفاع عن القضايا الإنسانية الكونية وأوّلها الحرية والعدالة.
هذه الشابة هي مغنية وعازفة غيتار وملحنة استطاعت أن تشق طريقها بثبات في عالم الموسيقى المعاصرة وقد أظهرت موهبة كبرى في مجال الغناء مدعومة في ذلك بشقيقها وائل جابر وهو عازف إيقاع بالأساس وبدأ العمل مؤخرًا في مجال الموسيقى المرتبطة بجهاز الكومبيوتر والتي يطلق عليها اسم M.A.O
وأطلّت نسرين جابر على جمهورها بفستان أبيض اللون وما يحمله هذا اللون من رموز ودلالات نفسية وروحية كثيرة منها الإحساس بالطمأنينة وبالراحة النفسية والسلام والأمل والعاطفة. واستهلّت حفلها بأغنية من التراث هي « جمل يهدر »، أتبعتها بأغنية عن الحرية هي « جنّح » وأدت باقة من أغانيها الخاصة « الدنيا تدور » و »غير الناس » و »في راسي » وهي أغنية تحمل الكثير من الأمل وتبعث على الحلم والتفاؤل بغدٍ مشرق، لتختم إطلالتها الفريدة بأغنية « إلي هز رقيّة ».
وتميّز الأداء الغنائي لنسرين جابر بآهات صوتية تنتقل بمرونة بين الرقة والقوة والحنان والثورة. ولم تبخل الفنانة في التفاعل روحيا مع المقاطع الغنائية، إذ جسّدت بعضها في حركات تعبيرية باطنية.
ووعدت نسرين جابر، خلال ندوتها الصحفية التي عقدتها يوم 5 أوت الجمهور التونسي بعرض استثنائي متكامل فنيا وجماليا ومن ناحية الأضواء والتقنيات أيضا، وأوفت بما وعدت به في هذا العرض الذي عنونته بـ « أورورا ». فكان العرض زخما يجمع أنماطا موسيقية متنوعة رواحت بين الموسيقى الغربية والإيقاعات التونسية.
وأخذ إيقاع الحفل منحًى تصاعديا في عرض « سيكانا » للفنانة الجزائرية سعاد ماسي، فتحوّل سكون الليل وبرودة الطقس إلى إيقاعات سريعة أرقصت الحاضرين وألهبت حماستهم في التصفيق والهتاف. وتحولت سعاد ماسي من أداء أغانٍ على إيقاعات هادئة فجأة إلى أداء أغان إيقاعية على المسرح الروماني بقرطاج. جمهور لم يفتر حماسه ولم يسترخ ولو لبرهة لاسترداد أنفاسه، مما زاد هذه الفنانة ومجموعتها الموسيقية تحفيزا لتواصل أداء باقة من الأغاني والمعزوفات لمدة ناهزت 90 دقيقة، بل ولبّت طلب الجمهور في مزيد الغناء لأنه أبى المغادرة طالبا المزيد من الإيقاعات الموسيقية.
وغنّت سعاد ماسي باقة من أعمالها القديمة والجديدة، فأدت « أرسملي بلد » و »نجمة » و »أمنية » و »نوصيك » و »غير انت » و »سلام » وهي أغنية باللهجة المصرية و »آش يداوي » وغيرها من الأغاني الملتزمة على إيقاعات موسيقية عالمية على غرار البوب والروك والجاز والسول والكانتري.
ولم تفارق سعاد ماسي غيتارتها وهي تعزف وتغني باللهجة العاصمية الجزائرية بالإضافة إلى الأمازيغية القبايلية والفرنسية. فغنّت للحرية وللعدالة وانتصرت للإنسان في معناه الكوني السامي.