أمام شبابيك مغلقة، وبعد ثلاث سنوات من الغياب، حط أمير الطرب العربي « صابر الرباعي » على ركح المسرح الروماني بقرطاج ضمن فعاليات الدورة 55 لمهرجان قرطاج الدولي بعد جولة كبيرة في المهرجانات التونسية حملته إلى أقاصي البلاد من شمالها إلى جنوبها.
شبابيك مغلقة تعني أن الجمهور اشتاق كثيرا إلى « صابر الرباعي » الذي لم يخذله. أعد جيدا لسهرته صوتا وصورة. جعل من المسرح الروماني بقرطاج فضاء مشهديا متحركا بعدد كبير من الشاشات. فرقته واسعة العدد تونسية جل عناصرها من عازفي الصف الأول في تونس، بمشاركة بعض العناصر من فرنسا. كل شيء مضبوط بدقة شديدة. وكل شيء جاهز لليلة استثائية مع جمهور كبير العدد تحمل مشقة الانتظار لساعات طويلة، ولكن « صابر » أيضا يستحق « العناء »
حضر أبناؤه ووالدته وزوجته والكثير من أصدقائه. وعدد من الوزراء: الدكتور « محمد زين العابدين » وزير الشؤون الثقافية، « روني الطرابلسي » وزير السياحة والصناعات التقليدية، « سنية بالشيخ » وزيرة شؤون الشباب والرياضة ووزيرة الصحة بالنيابة، « محمد رضا شلغوم » وزير المالية وغيرهم..
كان الجميع في انتظار ليلة الانتشاء بصوت صابر الرباعي وبأغانيه وحضوره على الركح. بدأت زخات المطر تنزل ببطء في تمام العاشرة ليلا. أطل « صابر » مستمتعا بحبات المطر وهو يشدو بأغنية « تمنيت ». أغنية تونسية أكلت الزمن لسلاستها وعذوبتها. انتهت الأغنية ولكن الأمطار منعته من مواصلة الحفل. غادر المسرح وظل الجمهور في مكانه. لا أحد غادر المسرح. الكل في مكانه حتى توقفت الأمطار ليطل « صابر الرباعي » من جديد سعيدا بكرم الجمهور الذي قرر أن يبادله بأكثر كرما. فغنى حتى الواحدة صباحا. وأضاف بعض الأغاني لبرنامجه المضبوط مسبقا. رقص. وأسعد جمهوره
« ببساطة » كانت أغنيته الثانية، أغنية اختصرت رغبة الجمهور بكل بساطة في حفل مميز وكان له ما أراد
غنّى صابر عن الحب، عن العشق، وكل تلك الأحاسيس المفعمة بالشغف، فكانت « أجمل نساء الدنيا » و « ياللا » و »يا دلولة » و »عشيري الغالي » و »ولا كلمة »، تغزّل صابر بصفات امرأة اختصر فيها جميع النساء.. غنى على « نار »، ليهتف الجمهور أكثر وينتشي مع الموسيقى أكثر.. لم ينس صابر أوجاع المحبين أيضا، فغنى « ما تبكيش » و »عزة نفسي ».. فكانت اللحظة صادقة، صدق جمهور قاسمه الإحساس نفسه
تفاعل الجمهور المتعطش للجمال مع كل لحن، مع كل نغم، جمهور طلب المزيد وأراد أن يتلذذ بالأكثر…
« الكوكتال التونسي »؟ لم لا؟ الجمهور يستحق هذه الهدية: « حبي يتبدل يتجدد » للهادي الجويني، و »تكويت وما ڤلت أحييت » لعلي الرياحي، و »ليوم قالتلي زين الزين » للهادي الجويني، وعودة أخرى لعلي الرياحي بأغنية « بيت الشعر »، وانتهاء بالجويني من جديد ب »أول نظرة ».. ولم يكتف صابر بهذه الباقة من التراث فغنى » يا بنية جمال »، و »سيدي علي عزوز »..
تصاعد إيقاع السهرة ونسقها فكان لا بد من وقفة هادئة مع واحدة من أجمل أغانيه « أتحدى العالم » التي جعلت من جمهور قرطاج أضخم كورال على الإطلاق. كما لم ينس صابر أغنية « صيد الريم » شارة المسلسل الذي يحمل العنوان نفسه وأحد أسباب نجاحه الكبير. بها استعدنا أحداث المسلسل ومخرجيه « علي منصور » و »عبد القادر الجربي »، وأبطاله وكاتبته « رفيقة بوجدي »، لكننا استحضرنا أكثر روح منتجه الراحل « نجيب عياد » الذي خيمت روحه في المسرح الروماني بقرطاج مع « صيد الريم » الذي طالب الجمهور بإعادة الاستماع إليها فما كان من صابر إلا أن حوّل وجهة الحفل بأغنية « سيدي منصور » التي حملت إلى قرطاج سحر صفاقس بكل ما فيها من خيال وجمال متبوعة ب »بابا بحري »
نجاح أمير الطرب العربي « صابر الرباعي » في مهرجان قرطاج الدولي ليلة الخميس 22 أوت 2019 كان مستحقا لأنه كتبه بحبر عرقه وجديته وانضباطه وإخلاصه لفنه.