جليد على مسرح قرطاج، تقنية لم يسبق لنا مشاهدتها استعدّ لها فريق العمل استعدادا خاصّا على امتداد يومين، عمليّة دقيقة تطلّبت الكثير من الحرص والحرفية العالية خاصّة ونحن في شهر أوت حيث الحرارة في أوجها. فريق ضخم حوّل الركح الروماني إلى ساحة جليديّة لاستقبال عرض استثنائي يضمّ مجموعة من أمهر راقصي الجليد في العالم لتقديم حكاية كلاسيكية أعادوا انتاجها بأسلوب وشكل ساحر ومبهر.
« سندريلا على الجليد » عرض قُدّم مساء الثلاثاء 6 أوت ضمن فعاليات الدورة الثامنة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي أمام جمهور غفير من كلّ الأعمار أغلبه من الأطفال، من ضمنهم ما يناهز ألفيْ طفل من فاقدي السند تمّ تأمين حضورهم من عدد من ولايات الجمهورية بالشراكة بين إدارة المهرجان ووزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن.
على تلك المساحة الجليديّة بدأ العرض في تمام العاشرة بلوحة أولى تظهر فيها سندريلا بأثوابها الرثّة وهي تقوم بأعمال التنظيف الشاقة في بيت زوجة الأب القاسية التي تحيي سهرات لاستقبال عائلات من أرقى طبقات المجتمع طمعا في تزويج ابنتيها من شابين برجوازيين وتمعن في إذلال سندريلا بإجبارها على خدمة الضيوف… تتالى اللوحات لتحكي تفاصيل هذه الخرافة الكلاسيكية الأشهر في العالم والتي ما زالت تلهم أمهر الفنانين لتحويلها إلى أعمال تتّخذ من أبطالها محملا برؤية إبداعية مختلفة، لوحات كوريغرافية تقدم تارة رقصات جماعيّة وأخرى ثنائية وأحيانا فرديّة صُممت ضمن السياق الدرامي والسرد المبتكر بلمسات فنية كشفت عن الحرفيّة العالية التي يتمتّع بها الراقصون، تلك الرقصات التي لم نشاهدها إلاّ في بعض العروض الأولمبية، خفّة ورشاقة وسرعة في الأداء مع كلّ عناصر الإبهار والسحر السينوغرافي والموسيقى وتوزيع الإضاءة بشكل محكم ومنسجم مع مفاصل الحكاية التي نقلت الحضور إلى عالم عجائبي بأبطاله الخارقين.
تتغيّر المشاهد بتغيّر الحيّز الزماني والمكاني بين البيت الذي تسكنه سندريلا وقصر الملك حيث تقام سهرة اختيار عروس للأمير من خلال سواتر كبيرة وضعت في خلفيّة الركح تتغيّر كما لو كانت كتابا كبيرا تُقلّب صفحاته تباعا، كلّ شيء مدروس بدقّة متناهية، إيقاع متسارع لا مجال فيه للخطأ مهما كان صغيرا، تتغيّر الأزياء في لمح البصر وكذلك الحركات والرقصات والإيماءات وانسجامها مع إيقاع الموسيقى… كلّ هذه العناصر شكّلت مشهديّة متكاملة على ركح قرطاج الأثري أمام أنظار ظلّت مشدودة بانبهار ودهشة بلغت أشدّها في عدّة لوحات على غرار مشهد البحث عن صاحبة الحذاء عندما تقدّمت مجموعة الفتيات يرقصن على الجليد بقدم واحدة أو المشهد الذي يراقص فيها الأمير سندريلا ويحملها إلى فوق بيد واحدة فتبدو كما لو أنّها تطير في سماء قرطاج وأيضا تلك الحركات الدائريّة السريعة التي قدّمها الراقص/البهلوان بخفّة ورشاقة…وغيرها من المشاهد التي قُدمت دون حوار أو غناء وإنما كانت الحركة الفنيّة هي اللغة الوحيدة والأجمل المُعتمدة في هذا السرد المسرحي المتفرّد.
عرض « سندريلا على الجليد » أنتجه جوليان ديبليدج وقدمته مجموعة من أمهر راقصي الجليد العالميين من المملكة المتحدة وجمهورية التشيك وروسيا وفنلندا وصربيا وأكرانيا وفرنسا وألمانيا، عرض مسرحي فنتازي جمع بين الرقص على الجليد والبالي والحركات البهلوانية واكتملت فيه كل عناصر الفرجة والإبهار على امتداد ساعتين تخللتهما استراحة بعشرين دقيقة كانت ضرورية لإعادة تسوية الأرضية الجليديّة وتسهيل حركة الراقصين.
عرض لا يمكن الجزم بأنّه موجّه للأطفال لأن المشهدية التي تشكّلت على ركح قرطاج مساء الثلاثاء 6 أوت بشكل غير مسبوق صنعت عنصر الاكتشاف والإبهار للأطفال والكهول على حدّ السواء.