لا يختلف اثنان، في كون الفنان صابر الرباعي يعدّ من الفنانين القلائل الذي يقدّم جلّ حفلاته أمام شبابيك مغلقة، بل ويضطر جمهوره الى متابعة حفله إما وقوفا أو من خارج أسوار المسرح، وهذا ما تأكّد مساء الثلاثاء 16 ماي بالمسرح الأثري بقرطاج، ضمن فعاليات الدورة السادسة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي .
طوابير غفيرة من مختلف الشرائح العمرية اصطفت أمام المسرح الروماني منذ الساعة الخامسة مساءً ، متحملين درجات الحرارة المرتفعة لا لشيء سوى للظفر بمكان مناسب يمكنهم من الاستمتاع بريبرتوار صاحب « صرخة »، و اكتشاف جديده.
على تمام الساعة العاشرة ليلا استقبل جمهور المسرح الروماني، أمير الطرب بالتصفيق الحار، ليرد صابر التحية بأحسن منها، ويشكر الحضور لأنه كان في الموعد كعادته، مؤكدا أنه فخور بكونه تونسيا قلبا وقالبا وان الجمهور طالما سانده ووقف الى جانبه .
وبقيادة المايسترو قيس المليتي، وفرقة موسيقية تكونت من 19 عازفا وكورال استهل صابر الرباعي حفله القرطاجني بأغنية « مغيار » كلمات وألحان سليم عبد الله وتوزيع صابر الزواغي، ليقدم إثر ذلك مزيجا من الأغاني الرومنسية الهادئة وأخرى إيقاعية بداية من « دلولة » مرورا ب »عزّ الحبايب » و »ببساطة » و »مثلت الحب » و »ألف سلامة » و »عزّة نفسي » ويا للاّ » و »مزيانة » ، أمام تفاعل كبير من محبيه الذين رددوا معه جلّ الأغاني، ليهتز المسرح رقصا وتصفيقا مما دفع بصابر الرباعي إلى التعليق على هذه « التخميرة » بقوله » جمهورنا التونسي فنان » .
ولم يبخل صابر الرباعي بجديده حيث غنّى « سهرة صباحي »، وبالفعل كانت السهرة « صبّاحي »، أمتع فيها الرباعي جمهوره على مدى أكثر من ساعتين ونصف بأغانيه التي عرفه بها الجمهور التونسي والعربي، كما عاد الى ريبرتواره القديم فأمتع وأطرب ب « رحت وجيت » وتمنيت » و »يلي بجمالك » و »ولا كلمة » التي عادت بجمهور قرطاج الى أجواء التسعينات وبدايات صابر الرباعي .
وبمرافقة الجمهور الذي تحول الى كورال متميز ومتقن لكل النوتات، واصل أمير الطرب سهرته وقدّم عصارة تجربته محافظا على نسق السهرة المتصاعد فتسلطن ب »ما تبكيش » ، وأمتع ب »عشيري الغالي » و »الطفلة العربية » وترجم جملة من الأحاسيس والمشاعر في « يا عسل » ، وبكل سلاسة راوح الرباعي بين السلطنة والإيقاع، ورغم درجات الحرارة المرتفعة تنقل على الركح بحركاته ورقصاته الهادئة .
ومن أغانيه الجديدة التي أداها لأول مرة على ركح قرطاج قدّم « ورحمة قلبي »ّ كلمات وليد الغزالي، ألحان مديّن وتوزيع كريم عبد الوهاب، قبل أن يحلق في سماء الابداع بأدائه لأغنية جينيريك مسلسل « أولاد الغول » وأغنية « أتحدى العالم » و »صيد الريم » .
وأمام هتاف الجمهور الذي طالبه بالكوكتال التونسي لبى الرباعي الطلب وقدم لمحبيه كوكتالا تونسيا جمع فيه بين أغاني المرحومين الهادي الجويني وعلي الرياحي ، ولتكتمل فرحة محبيه، واصل الرباعي بكوتال « الأقطاب » الذي يضم مجموعة من الأغاني الصوفية ، فيما اختتم السهرة بالحضرة الصفاقسية مع اغاني « سيدي منصور » و »بابا بحري » و »يا بو العكازين » التي اهتزت معها مدارج المسرح الروماني بالرقص والغناء والتصفيق والزغاريد .
سهرة طربية إيقاعية أكد خلالها أمير الطرب صابر الرباعي أنه قيمة فنية وجماهيرية ثابتة لا فقط من خلال ريبرتواره الزاخر بل من حيث حضوره الركحي الجميل وصوته المتمكن الشجيّ وتحكمه في برنامج سهرته واختياراته الموفقة التي مست كل الأنماط الموسيقية .
وفي لقاء صحفي جمع صابر الرباعي مع مختلف وسائل الاعلام الذين سجلوا حضورهم برقم قياسي، أكد سعادته بنجاح حفله ووجه شكره إلى جمهوره الذي لم يخذله يوما وإلى كل الصحفيين، معبرا عن أسفه في الآن ذاته من عدم تمكن أعداد غفيرة من الدخول ومواكبة السهرة واضطرارهم للمغادرة نظرا للاكتظاظ الشديد الذي شهده المسرح، مشيرا الى كونه مستعدا لتقديم سهرة مجانية بشارع الحبيب بورقيبة او غيره شرط توفر الظروف اللوجيستية والتنظيم المحكم .
كما بين أن الدولة التونسية مطالبة بدعم المجال الثقافي كغيره من المجالات وهو ما من شأنه أن يقدم صورة جميلة عن تونس وينعش السياحة والإقتصاد، مضيفا أن الوضع المتردي للفنان والموسيقي دفع بالبعض الى الهجرة وهو ما يتطلب دقّ نواقيس الخطر .
ومن النقاط الأخرى التي أشار اليها صابر الرباعي أنه لم يبتعد عن التلحين ومن المتوقع أن يصدر خلال الأيام القليلة القادمة أغنية تحمل توقيعه في التلحين ، كما سيقوم بتصوير أغنية لبنانية .