ليلة حارة شهدها مسرح قرطاج الأثري مساء الثلاثاء 26 جويلية… حارة بالمعنيين، حرارة الطقس التي سجّلت درجات مرتفعة، وحرارة استقبال الجمهور الذي جاء بأعداد كبيرة لحضور حفل الفرنسية « زاز »، فنانة سبقتها شهرة عالمية واسعة وأغان يحفظها الشباب لما فيها من جمال الكلمة وتنوّع الإيقاعات وهو ما جعلها واحدة من أنجح وألمع الفنانين في التاريخ الفرنسي الحديث.
« زاز » ضيفة الدورة السادسة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي صنعت « الشوو » منذ اللحظة الأولى فهي على عكس كلّ الفنّانين اختارت أن تكون اطلالتها الأولى على المهرجان مختلفة بكلّ المقاييس حيث لم تبدأ حفلها من الركح وإنما من قلب الحضور الجماهيري الذي التحمت به على المدارج كتحيّة خاصة وهي تشدو بأولى أغانيها « الأيام السارة » متّجهة إلى المسرح، لم يكن الاختلاف في كيفيّة مصافحة الجمهور فقط وإنما كذلك في اختيار لباس بسيط بلا تكلّف وخفيف يمكنها من الرقص والتحرك على المسرح في كلّ الاتجاهات.
كانت « زاز » في سهرة الثلاثاء 26 جويلية مصحوبة بخمسة عازفين استطاعت بصحبتهم أن تصنع فرجة مكتملة العناصر وهي تراوح بين الجاز والروك والسول وإيقاعات أخرى في أغان وإن اختلفتعناوينها فقد التقت كلّها في معاني الحب والحرية والعدالة والحياة والإنسان…وغيرها من القيم النبيلة التي صنعت لها هذه القاعدة الجماهيرية الواسعة، غنت « تخيّل » و »إذا نسيت » و »ما تعنيه في حياتي » و »ألوان حيّة » و »باريس تبقى دائما باريس » و »إذا خسرت…إذا نسيت » كما غنّت أغنيتها الشهيرة التي كان الجمهور يطلبها منذ بداية السهرة « أنا أريد » المفعمة بالأمل وإرادة الحياة بكل ما فيها من جمال… « زاز » غنّت أيضا رائعة الفنانة الراحلة إديتبياف « الحياة الوردية » وطبعتها بصوتها الرقيقة ذي البحّة الخفيفة وحضورها الركحي الآسر.
طاقة رهيبة وقدرة غريبة تمتعت بهما هذه الفنانة وهي تغني وترقص على امتداد ساعتين لتأسر الجمهور وتسحره وتسيطر على المكان وتبعث في أرجائه عديد الموجات الإيجابية، كل هذا ليس غريبا على فنانة عشقت الموسيقى وبدأت تتعلّم العزف في الخامسة من عمرها.
« زاز » التي لم تواجه الجمهور منذ ثلاث سنوات بسبب جائحة كورونا كانت كأنها تحاول سباق الزمن لتعويض ذلك النقص كفنانة مسكونة بالإبداع، فغنّت كما لم تغنّ من قبل ورقصت متجلية على كل الإيقاعات التي اختارتها لتكون فنانة بهوية موسيقية مختلفة ومتنوّعة « لا يمكن تصنيفي في خانة فنيّة واحدة، أنا أحب هذا التنوّع والاختلاف »… هكذا صرّحت في لقائها بالصحفيين عقب نهاية عرضها القرطاجني الأول الذي ترك لديها أجمل الانطباعات وقالت عنه « جمهور جميل ويجيد فن الاستماع… منحها طاقة كبيرة وإحساسا بالجمال »
إليزابيت جيفروي (وهو اسمها الحقيقي) زارت تونس وهي في السابعة عشر (سنة 1997) في رحلة اختارتها بنفسها لاكتشاف هذا البلد الذي عادت اليه « زاز » فنانة ذات شهرة عالمية، بين الزيارة الأولى والثانية قالت إنها اليوم استطاعت أن ترى إليزابيت الصغيرة وتتمثّل أمام عينيها رحلتها ومشوارها الفني بكل مراحله لتصير بعد حوالي ربع قرن « زاز »… وفي نفس السياق عبّرت « زاز » عن فخرها بالغناء على ركح قرطاج العريق الذي سبقها إليه مشاهير كثر من فرنسا والعالم « شكرا لمن دعاني للمهرجان ولهذا المكان الجميل »
الحديث مع الصحفيين اتجه أيضا إلى مكانة الأغنية الفرنسية في هذا المشهد الفني المتنوع والذي تسيطر عليه وسائل تقنية حديثة ومنصات رقمية وقنوات لها عديد العناوين… « زاز » اعتبرت أن للأغنية الفرنسية مكانة هامّة في هذا المشهد بفضل لغتها (وتعني النص) لأن الموسيقى تتغيّر وبقطع النظر عن الإيقاع المصاحب فالأهم هو ما نقوله ونريد تبليغه، « زاز » صرّحت أنها تكتب جلّ أغانيها وأحيانا تشارك فرقتها بعض الأفكار لصياغة نصّ يتماشى مع الإيقاع… ورغم ما عرفته « زاز » من شهرة عالمية ومئات الحفلات التي قدمتها سواء بالمسارح أو الساحات العامة فقد اعترفت أنها لا تزال تبحث عن نفسها وسط هذا المشهد الموسيقي الشاسع فهي ترفض أن تطبع مسيرتها بطابع معين لذلك تحرص على التنوع والاختلاف بوصلتها « الإنسان » وما يمكن أن يعيشه من حالات تغيّره أو بها يغيّر محيطه.