بعد عرضي « عشاق الدنيا » لعبد الحميد بوشناق الخميس 14 والجمعة 15 جويلية الذي حفر في تراث الفن الشعبي التونسي واستلهم منه الحكايات والأغنيات والنغمات وقدّمه في شكل مسرحية غنائية امتدّت إلى ثلاث ساعات كانت مذاقا أوليّا افتتح إيقاع الدورة السادسة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي واستعاد خلاله المسرح الأثري تألقه وبهجته بعد غياب دورتين حتّمه ظرف صحي اجتاح العالم وعطّل جلّ التظاهرات الدولية،كان جمهور قرطاج مساء السبت 16 جويلية على موعد مع نوع آخر من الموسيقى مختلف تماما، موسيقى شبابية قادمة من كوريا الجنوبية هذا البلد الذي كنا لا نعرف عن ثقافته سوى ما تأتينا به تلك الفرق التي كانت إدارة مهرجان قرطاج تبرمجها في إطار عروض التبادل الثقافي والتي كانت تستقطب جمهورا نوعيا وخاصّا… لكن فرقة « بيغ » الكورية الجنوبية وبفضل الشهرة الواسعة التي حظيت بها على السوشل ميديا في السنوات الأخيرة والجوائز التي تُوجت بها منذ سنوات تأسيسها الأولى وقدرتها على تقديم المختلف وهو « الكيبوب » (البوب الكوري) كشكل فنّي خاص بها يجمع بين الرقص والغناء والتمثيل جعل الجمهور التونسي يتوافد على المسرح الأثري بقرطاج بأعداد احتلت أكثر من نصف مساحة الفضاء لمواكبة الحفل الفني لمجموعة « بيغ » أو تحديدا « بي أي جي » لا لاكتشاف أسلوبها في الغناء وجملها الموسيقية المختارة وإنما للغناء معها وترديد ما صنع شهرتها التي تجاوزت حدود قارّتها وما جاورها لتصل لهذا الجمهور الذي لم يتجاوز أعماره السادسة عشر واكتشفنا أنه يحفظ أغانيها عن ظهر قلب.
« بويز إن غروف » أو شباب في الجو ـ إن صحت الترجمةـ وعددهم أربعة يتمتعون بطاقة رهيبة تمكّنهم من الرقص والغناء بحيوية كبيرة والتحرك على المسرح الروماني بكلّ تلقائية كما لو أنهم خبروا متطلباته رغم أنهم يقفون عليه للمرة الأولى… « هالو » كانت الأغنية التي عرّفت بهم لدى عشاق فن البوب من الشباب في كل بقاع العالم لذلك اختاروها لافتتاح عرضهم الموسيقي الذي لم يكن مداره ركح قرطاج وإنما كان جزئه الآخر أو مسرحه غير المبرمج تلك المدارج الغاصة بالمراهقين وهم يضيئونها بهواتفهم وبالوناتهم الزرقاء السماوية، كل هذه العناصر كانت كفيلة بصنع مشهديةتلقائية مبهرة فاجأت الفرقة الكورية قبل أن تفاجأ الجمهور… لذلك كان أفرادها بعد كلّ أغنية يدخلون في حوار طريف مع الجمهور ويحدثونه عن بعض الأكلات التونسية التي تذوقوها ورغبتهم في زيارة المدينة العتيقة واقتناء ملابس تونسية وغيرها من المواضيع التي شكّلت فقرة من فقرات عرض تميّز ببعث العديد من الموجات الإيجابية كان فيها الباثّ والمتلقي (الفرقة والجمهور) حلقة متصلة متناغمة وعلى قدر كبير من الانسجام.
قدمت فرقة « بيغ » الكورية الجنوبية خلال عرضها الذي امتدّ إلى ساعة ونصف مجموعة من أغانيها باللغة الإنجليزية مثل « ستاي » ودراغ ماي داون »… كما غنّت بلهجات عربية مختلفة بلكنة طريفة أثارت دهشة من سمعهم لأول مرة « لا بالزاف » و »ثلاث دقات » لأبو و »إنها الحياة » للشاب خالد و »المعلم » لسعد المجرد فكانوا ينتقلون بخفة من مصر إلى المغرب ثم إلى الجزائر في رحلة فنية صنعت عنصر المفاجأة والمتعة لدى جمهور قرطاج في دورته السادسة والخمسين التي اختارت هيئتها أن يكون برنامجها متنوعا يلبي الذائقة الفنيةلكل الشرائح العمرية باختلاف أذواقها، وليس أدل على ذلك عرض « أليس » الموجه للأطفال الذي يحتضنه مسرح قرطاج مساء الاثنين 18 جويلية.