نصير شمة يعيد بناء العالم

أكانت آلات موسيقية تلك التي حملها أحد عشرة عازفا وأطلّوا بها على جمهور قرطاج ليلة الأربعاء 10 أوت أم معاول بناء؟
هم « بناة سلام » ولا علاقة للسلام الذي حملوا رسالة نشره في العالم بسلام السياسيين، نحن إزاء بناء مختلف يؤسس للحب كقيمة أولى تُبنى عليها القيم الأخرى كالانتصار لقضايا الفن والجمال، فنصير شمة أو زرياب الصغير جاء إلى جمهور مهرجان قرطاج في إطار دورته السادسة والخمسين ليدعوه في رحلة تعبر بين مدن وبلدان منهكة من الحروب ومن مخلفات أزمة صحية اجتاحت العالم بتفشي فيروس كورونا، دعاه ليكون شريكا في عملية البناء وما عليه سوى الإيمان بقيم السلام لينخرط في المشروع الإنساني الكبير.
تجربة موسيقية فنية أكثر من رائعة واكبها جمهور من طينة مختلفة عمّن سبقه في العروض الماضية، تجربة كانت بمثابة رحلة في رحاب الفن والسلام انطلقت ب »لا يليق بك الحزن » قطعة أهداها لتونس وعزفها مع المجموعة لأول مرة، بدأت منسابة كعطر هادئ تسرّب شذاه بين الحضور فانتشى به وتركّزت أبصاره على الركح وأنامل العازفين مختلفي الجنسيات وهي تعبث بآلاتها في انسجام جميل… بعد تونس سافر زرياب الصغير ومجموعته إلى بابل في معزوفة « إنانا وديموزي » لتروي أجمل قصة حب عاشت أكثر من ستّة آلاف سنة، ثم « مع وينتن » الصديق الأمريكي عازف الجاز الذي جمعتهما الصداقة والموسيقى، قطعة تداخلت فيها أنماط موسيقية مختلفة وتخللتها جمل من أغنية فيروز « البنت الشلبية » وتألّقت فيها آلة الكمنجة كأروع ما يكون وهي على الكتف الأيمن للأمريكية كارن بريغس تداعبها بحرفية عالية قبل أن تدخل فيما يشبه الحوارية مع نصير شمة، عود وكمان… من قال أن حوار الغرب والشرق غير ممكن؟ نصير شمّة ينجح حيث فشل زعماء السياسة وذاك تحدّ آخر خاضه بناة السلام…
وتواصل العرض مع « هلال عكمة » عن منطقة أثرية سعودية كانت جزء من طريق الحرير و »يوم للوطن » معزوفة برر نصير تأليفها بوجود أيام للشجرة للأم للبيئة… وغيرها لكن لا وجود في بلداننا ليوم للوطن، هذه المعزوفة استهلّها بالنشيد الوطني التونسي ثمّ انطلق في بحور موسيقية شاسعة، ولأن العرض يحمل في معناه حقّ العشرة لبلدان عاش فيها نصير شمة أو أقام بها لفترة ما وأحبها فقد كانت لتونس هدية أخرى « إلى تونس » تبدأ تأليفا ثم تعرّج على رائعة الهادي الجويني « لاموني اللي غاروا مني » وتخرج منها بسلاسة وأناقة إلى مقامات أخرى.
« سيدة الجنائن » أهداها إلى بابل وجنائنها المعلقة، أحد عجائب الدنيا ولغزها المحيّر: كيف كان الماء يبلغها وهي في مرتفعاتها؟
استمرت رحلة بناة السلام على امتداد ساعتين من الزمن لتصافح أوطانا وتبني ما تهدّم فيها، ترفع معاولها في وجه الخراب وتلعن الظلمات، تشيع الحب والسلام والصداقة والقيم الإنسانية النبيلة: « مدن النرجس » و »غدا أجمل » و »قرطاج » و »إشراق » كلّها وما سبق ذكره معزوفات ألفها نصير شمّة ودعا إلى تنفيذها موسيقيا مجموعة من أمهر عازفي العالم كارن بريغس (أمريكا) أيتاك دوغان (تركيا) حسين زهاوي (كردستان/العراق) كارلوس بينانا ومانويل سيارا وغوتاما (اسبانيا) وأشرف شريف خان (باكستان) وعلي غمشري (إيران) ومصطفى عباس (مصر) وسامي بن سعيد ولطفي صوة (تونس)… فسيفساء متعددة الألوان متجانسة ومتناغمة صنعت عرضا موسيقيّا كان أشبه برحلة تضع الانسان أمام محكّ الوجود والفناء، البقاء والعدم، البناء والهدم… وكل التناقضات التي يتخط فيها العالم في السنوات الأخيرة، لكن وأنت تتابع عرض بناة السلام تسكنك قناعة راسخة بأننا إزاء بوابة مشرعة على الأمل وعلى غد مشرق… فإعادة بناء العالم أو ترميم ما تهدّم منه لا يكون إلا بالسلام وإشاعة قيمه.

297237942_1526720097746980_1556733979595896947_n
298510124_1526720541080269_3477104703672182316_n
297207772_1526720504413606_6320540852703892113_n
298243578_1526720737746916_8162904945059859289_n
297378006_1526729911079332_8326717707346584458_n
297320828_1526730131079310_949660046861579363_n
297387859_1526730231079300_7391577758428193004_n
298089918_1526720961080227_3846259218403194712_n
297322225_1526720921080231_1320332589824348872_n
previous arrow
next arrow
297237942_1526720097746980_1556733979595896947_n
298510124_1526720541080269_3477104703672182316_n
297207772_1526720504413606_6320540852703892113_n
298243578_1526720737746916_8162904945059859289_n
297378006_1526729911079332_8326717707346584458_n
297320828_1526730131079310_949660046861579363_n
297387859_1526730231079300_7391577758428193004_n
298089918_1526720961080227_3846259218403194712_n
297322225_1526720921080231_1320332589824348872_n
previous arrow
next arrow
FEATURE POST